فصل: ومن باب فيمن يغزو يلتمس الدنيا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من مات غازيًا:

قال أبو داود: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة وهو الحوطي حدثنا بقية بن الوليد عن ابن ثوبان عن أبيه يرده إلى مكحول إلى عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من فصل في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد أو وقصه فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وأن له الجنة».
قوله: «فصل» معناه خرج وقوله: «وقصه فرسه» معناه صرعه فدق عنقه والوقْص الدق والكسر ونحوهما والهامة إحدى الهوام وهي ذوات السموم القاتلة كالحية والعقرب ونحوهما.

.ومن باب الحرس في سبيل الله:

قال أبو داود: حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية، يَعني ابن سلام عن زيد، يَعني ابن سلام أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي أنه حدثه سهل بن الحنظلية «أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت على جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدًا إن شاء الله ثم قال من يحرسنا الليلة قال أنس بن أبي مرثد الغنوي أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اركب فركب فرسًا له وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا يُغرن من قبلك الليلة فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال هل أحسستم فارسكم قالوا يا رسول الله ما أحسسناه فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال ابشروا فقد جاءكم فارسكم فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت فلم أر أحدًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نزلت الليلة قال لا إلاّ مصليا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها».
قوله: «على بكرة أبيهم» كلمة للعرب يريدون بها الكثرة والوفور في العدد، والظعن النساء واحدتها ظعينة وأصل الظعينة الراحلة التي تظعن وترتحل فقيل للمرأة ظعينة إذا كانت تظعن مع الزوج حيثما ظعن أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت وهذا من باب تسمية الشيء باسم سببه كما سموا المطر سماء إذا كان نزوله من السماء وكما سموا حافر الدابة أرضا لوقوعه على الأرض ومثل هذا كثير.

.ومن باب الجرأة والجبن:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن الجراح عن عبد الله بن يزيد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «شر ما في رجل شح هالع وجُبن خالع».
أصل الهلع الجزع والهالع هاهنا ذو الهلع كقول النابغة:
كليني لهم يا أميمةُ ناصب

أي ذو نصب ويقال إن الشح أشد من البخل ومعناه البخل يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع منه. والجبن الخالع هو الشديد الذي يخلع فؤاده من شدقه.

.ومن باب الرمي:

قال أبو داود: حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد الله بن المبارك حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة صانعه يحتسب في صنعته الخير والرامي به ومُنبله وارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ليس من اللهو إلاّ ثلاث تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها».
قوله: «منبله» هو الذي يناول الرامي النبل وقد يكون ذلك على وجهين أحدهما أن يقوم مع الرامي بجنبه أو خلفه ومعه عدد من النبل فيناوله واحدًا بعد واحد والوجه الآخر أن يرد عليه النبل المرمي به.
وقد روي من طريق آخر والممد به وأي الأمرين فعل فهو ممد به والنبل السهام العربية وهي لطاف ليست بطوال كسهام النشاب والحسبان أصغر من النبل وهي التي ترمي بها على القسي الكبار في مجار من خشب واحدتها حُسبانة. ويقال أنبلت الرجل إذا أعطيته نبلا ورجل نابل إذا كان سلاحه النبل كما يقال رامح إذا كان ذا رمح. وقوله: «ليس من اللهو إلاّ ثلاث» يريد ليس المباح من اللهو إلاّ ثلاث، وقد جاء معنى ذلك مفسرا في هذا الحديث من رواية أخرى.
حدثنا الأصم حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سلام عن ابن زيد أن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شيء يلهو به الرجل باطل إلاّ رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق».
قلت: وفي هذا بيان أن جميع أنواع اللهو محظورة وإنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخلال من جملة ما حرم منها لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة بالسلاح والشد على الأقدام ونحوهما مما يرتاض به الإنسان فيتوقح بذلك بدنه ويتقوى به على مجالدة العدو.
فأما سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو كالنرد والشطرنج والمزاجلة بالحمام وسائر ضروب اللعب مما لا يستعان به في حق ولا يستجم به لدرك واجب فمحظور كله.
وقد رخص بعض العلماء في اللعب بالشطرنج وزعم أنه قد يتبصر به في أمر الحرب ومكيدة العدو، فأما من قامر به فهو فاسق ومن لعب به على غير قمار وحمله الولوع بذلك على تأخير الصلاة عن وقتها أو جرى على لسانه الخنا والفحش إذا عالج شيئا منه فهو ساقط المروءة مردود الشهادة.

.ومن باب فيمن يغزو يلتمس الدنيا:

قال أبو داود: حدثنا حياة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية حدثني بحير عن خالد بن معدان، عَن أبي بحرية عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرًا ورياءً وسمعةً وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف».
قوله: «ياسر الشريك» معناه الأخذ باليسر في الأمر والسهولة فيه مع الشريك والصاحب والمعاونة لهما يقال رجل يسر إذا كان سهل الخلق وقوم أيسار.

.ومن باب فضل الشهادة:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عوف حدثتنا خنساء بنت معاوية الصُريمية قالت: حدثنا عمي قال: قلت: للنبي صلى الله عليه وسلم من في الجنة؟ قال: «النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة».
قلت: المولود هو الطفل الصغير والسقط ومن لم يدرك الحنث. والوئيد هو الموءود أي المدفون في الأرض حيًا وكانوا يئدون البنات، ومنهم من كان يئد البنين أيضًا عند المجاعة والضيق يصيبهم. ومن هذا قوله سبحانه: {وإذا الموءودة سُئلت بأي ذنبٍ قُتلت} [التكوير: 9].

.ومن باب الجعائل في الغزو:

قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أنا أبو سلمة (ح) قال: وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب المعنى وأنا لحديثه أتقن، عَن أبي سلمة سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر الطائي عن ابن أخي أبي أيوب الأنصاري، عَن أبي أيوب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستفتح عليكم الأمصار وستكون جنود مجندة يقطع عليكم فيها بعوث يتكره الرجل منكم البعث فيها فيتخلص من قومه ثم يتصفح القبائل بعرض نفسه عليهم يقول من أكفيه بعث كذا من أكفيه بعث كذا إلا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه».
قلت: فيه دلالة على كراهة الجعائل وفيه دليل على أن عقد الإجارة على الجهاد غير جائز. وقد اختلف الناس في الأجير يحضر الوقعة هل يسهم له فقال الأوزاعي المستأجر على خدمة القوم لا سهم له وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وقال سفيان الثوري يسهم له إذا غزا وقاتل، وقال مالك وأحمد يسهم له إذا شهد وكان مع الناس عند القتال.
قلت: يشبه أن يكون معناه في ذلك أن الإجارة إذا عقدت على أن يجاهد عن المستأجر فإنه إذا صار جهاده لحضور الوقعة فرضًا عن نفسه بطل معنى الإجارة وصار الأجير واحدًا من جملة من حضر الوقعة فإنه يعطى سهمه إلاّ أن حصة الأجرة لتلك المدة ساقطة عن المستأجر.

.ومن باب الرخصة في أخذ الجعائل:

قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن الحسن المَصِيصي حدثنا حجاج، يَعني ابن محمد عن الليث بن سعد عن حياة بن شريح عن ابن شُفّي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي».
قلت: في هذا ترغيب للجاعل ورخصة للمجعول له واختلف العلماء في ذلك فرخص فيه الزهري ومالك بن أنس، وقال أصحاب الرأي لا بأس به وكرهه قوم وروي عن ابن عمر أنه قال أرى الغازي يبيع غزوه وأرى هذا يفر من عدوه.
وكرهه علقمة. وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو بجعل فلو أخذه فعليه رده وعن النخعي أنه قال لا بأس بإعطائه وأكره أخذه للأجر.

.ومن باب الرجل يغزو وأبواه كارهان:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما».
قلت: الجهاد إذا كان الخارج فيه متطوعا فإن ذلك لا يجوز إلاّ بإذن الوالدين فأما إذا تعين عليه فرض الجهاد فلا حاجة به إلى إذنهما وإن منعاه من الخروج عصاهما وخرج في الجهاد. وهذا إذا كانا مسلمين فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه من الجهاد فرضًا كان أو نفلا وطاعتهما حينئذ معصية الله ومعونة للكفار وإنما عليه أن يبرهما ويطيعهما فيما ليس بمعصية.
قلت: ولا يخرج إلى الغزو إلاّ بإذن الغرماء إذا كان عليه لهم دين عاجل كما لا يخرج إلى الحج إلاّ بإذنهم فإن تعين عليه فرض الجهاد لم يعرج على الإذن.

.ومن باب النساء يغزون:

قال أبو داود: حدثنا عبد السلام بن مظهر حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار فيسقين الماء ويداوين الجرحى».
قلت: في هذا الحديث دلالة على جواز الخروج بهن في الغزو لنوع من الرفق والخدمة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث أن نسوة خرجن معه فأمر بردهن.
قلت: يشبه أن يكون رده إياهن لأحد معنيين إما أن يكون في حال ليس بالمستظهر بالقوة والغلبة على العدو فخاف عليهن فردهن أو يكون الخارجات معه من حداثة السن والجمال بالموضع الذي يخاف فتنتهن.
وقد اختلف الناس في النساء هل يسهم لهن من الغنيمة فقال عامة أهل العلم لا يسهم لهن كسهم الرجال، وقال ابن عباس يرضخ لهن وإليه ذهب سفيان الثوري وأصحاب الرأي وكذلك قال الشافعي.
وقال مالك لا يسهم لهن ولا يرضخن بشيء.

.ومن باب الرجل بغزو يلتمس الأجر والغنيمة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أسد بن موسى حدثنا معاوية بن صالح حدثني ضمرة أن ابن رغب الإيادي حدثه عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا فرجعنا فلم نغنم شيئًا وعرف الجهد في وجوهنا فقام فينا فقال اللهم لا تكلهم إليَّ فٍأضعف عنهم ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم ثم وضع يده على رأسي أو على هامتي ثم قال يا بن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك».
البلابل الهموم والأحزان، وبلبلة الصدر وسواس الهموم واضطرابها فيه، وإنما أنذر به صلى الله عليه وسلم أيام بني أمية وما حدث من الفتن في زمانهم والله أعلم.

.ومن باب الدعاء عند اللقاء:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا موسى بن يعقوب الزمَعي، عَن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثنتان لا تردان أو قل ما تردان عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضه بعضا. قوله يلحم معناه حين يشتبك الحرب ويلزم بعضهم بعضًا ويقال لحمت الرجل إذا قتلته ومن هذا قولهم كانت بين القوم ملحمة أي مقتلة».

.ومن باب فيمن سأل الله الشهادة:

قال أبو داود: حدثنا هشام بن خالد هو أبو مروان الدمشقي وابن المصفى قالا: حَدَّثنا بقية عن ابن ثوبان عن أبيه يرده إلى مكحول إلى مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل حدثهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد».
الفواق ما بين الحلبتين وقيل ما هو بين الشُخبين. الشخبان ما يخرج من اللبن.

.ومن باب ما يكره من ألوان الخيل:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلم هو ابن عبد الرحمن، عَن أبي زرعة، عَن أبي هريرة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الشِكال في الخيل والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى بياض أو في يده اليمنى وفي رجله اليسرى».
قلت: هكذا جاء التفسير من هذا الوجه وقد يفسر الشكال بأن يكون يد الفرس وإحدى رجليه محجلة والرجل الأخرى مطلقة ولعله سقط من الحديث حرف والله أعلم.